دليلك لمتابعة الخسوف القمري الأطول في القرن الـ21 - كيمياء المعرفة

اخر الأخبار

اعلان

اعلان

7/26/2018

دليلك لمتابعة الخسوف القمري الأطول في القرن الـ21


دليلك لمتابعة الخسوف القمري الأطول في القرن الـ21
خلال السنوات الثلاث السابقة، انتظر هواة متابعة سماء الليل العرب قدوم يوم 27 يوليو/تموز للعام 2018 بفارغ الصبر، حيث سنكون على موعد مع حدث فلكي مميز للغاية، إنه الخسوف القمري الأطول في القرن الحادي والعشرين. في تلك الليلة، سوف يتحول لون القمر البدر الذي نعرفه من الأبيض إلى الأحمر الدموي طوال نحو الساعتين، وسوف يتمكن كل الناس، في كل مكان بالوطن العربي، من متابعة تلك الظاهرة الممتعة بالعينين المجردتين.


ما خسوف القمر؟
فكرة الخسوف بسيطة، ضع مصباحا كبيرا في منتصف حجرتك وأغلق باقي الأضواء، الآن ضع كرة قدم أمام هذا المصباح على مسافة مترين مثلا، حينما تضع الكرة هكذا فإنها تسد الضوء عن المنطقة التي تقع خلفها، هذا هو -ببساطة- ظلّ الكرة الواقع في الخلفية، الآن ضع الشمس مكان المصباح، وضع كوكب الأرض مكان الكرة، حينما يدور القمر حول الأرض فإنه يحدث، في بعض الأحيان، أن يدخل خلف الأرض في تلك المنطقة المُسماة بـ "ظل الأرض" (Umbra)، وحينما يفعل ذلك، فإن هذا هو الخسوف القمري.
    
   
جميل جدا. لكن، ربما يتبادر سؤال آخر إلى ذهنك الآن، حيث: إذا كان الخسوف يحدث كلما مر القمر خلف الأرض فيدخل في ظلها، ونحن نعرف أن القمر يدور حول الأرض مرة كل شهر، لماذا -إذن- لا يحدث الخسوف القمري كل شهر؟ سؤال جيّد.
  
يحدث ذلك لأن القمر لا يدور في المستوى نفسه الذي يضم الأرض والشمس معا، بل ينفصل بنحو الـ5 درجات للأعلى أو للأسفل، لفهم ذلك سوف نعود إلى حجرتك والمصباح، على مسافة مترين من المصباح المنير تقع كرة القدم، وينشأ خلفها ظل واضح، الآن أمسك بطائرة صغيرة ودُر بها حول تلك الكرة، في الحالة الطبيعية سوف تدخل الطائرة مرة في ظل الكرة كل لفّة، لكن ماذا لو كانت الطائرة تدور بمستوى مائل، فترتفع قليلا عن مستوى الدوران ثم لا تلبث أن تنخفض قليلا في أثناء دورتها حول الكرة؟
   

هذا هو بالضبط ما يحدث أثناء دوران القمر حول الأرض، فهو يعلو قليلا عن مستوى مداره ليبلغ أقصى ارتفاع ممكن، ثم بعد ذلك ينخفض مرة أخرى ليتقاطع مع مستوى الأرض والشمس في نقطة نسميها بالعقدة النازلة (Descending Node)، ثم يبلغ أقصى انخفاض له، ثم يرتفع من جديد ليقطع مستوى الأرض والشمس في نقطة نسميها بالعقدة الصاعدة (Ascending Node)، وهكذا يستمر القمر في الدوران حول الأرض صعودا ونزولا.
     
           
الآن دعنا نضيف إلى ذلك أن الخسوف يحدث فقط حينما يكون كل من القمر والشمس والأرض في الخط نفسه بحيث يختفي القمر وراء ظل الأرض بالكامل، وبالتالي سنتوقع أن يحدث ذلك فقط في الحالات التي يكون القمر أثناءها في العقدة الصاعدة أو النازلة، وبما أن وجود القمر في العقدتين هو حالة لا تتكرر كثيرا، فقد يكون القمر، أثناء مروره خلف الأرض، في المستوى نفسه أو أعلى قليلا أو منخفضا قليلا، وبذلك يعطينا تلك التنويعات التي تراها في حالات الخسوف (تراها بالتصميم المرفق)، فقد يكون الخسوف كاملا (Total) (بحيث يمر القمر بالكامل في ظل الأرض)، أو جزئيا (Partial) (يمر جزء من القمر في ظل الأرض)، أو خسوف شبه ظل (Penumbral) (يمر كل أو جزء من القمر في منطقة تسمى شبه ظل الأرض)، أو قد لا يحدث أي شيء ويمر القمر أعلى أو أسفل ظل الأرض بمسافة بعيدة (في تلك الحالة نرى القمر بدرا كما نراه في العادة).

   
ولماذا يبدو القمر دموي اللون؟
ما سوف يحدث في ليلة 27 يوليو/تموز القادم إذن هو أن القمر سيمر بالكامل داخل ظل الأرض الواقع خلفها، لكن هنا ربما سوف يتبادر إلى ذهنك سؤال آخر جديد، حيث إذا كنت تقول إن القمر سيمر في المنطقة المظلمة التي تقع خلف الأرض، لماذا سوف يبدو بلون أحمر دموي؟ أليس من المفترض أن يكون مظلما تماما لأنه يمر في الظلام؟
  
حسنا، ليس لذلك أي علاقة بالدماء، أو الحرب، أو مصاصي الدماء، لكن هذا السؤال يشبه سؤالا آخر شهيرا يقول: "لماذا السماء زرقاء اللون؟"، والإجابة هي أن ضوء الشمس، أبيض اللون، يتكون بالأساس من طيف واسع من الألوان يمتد من الأزرق إلى الأحمر، إنها ألوان الطيف التي نراها في قوس قزح أو حينما نمرر الضوء عبر منشور زجاجي أو كوب ماء ممزوج بالصابون في حصص العلوم، لكن لأن الغلاف الجوي يحتوي على جزيئات صغيرة جدا من الأكسجين والنيتروجين وغيرها، فإن تلك الجزيئات توقف مسار أشعة الضوء وتبعثرها.
  
لفهم ما يحدث بعد ذلك تخيل معي أن موجات الجزء الأزرق من الطيف الضوئي هي حلقات صغيرة جدا وأن موجات الجزء الأحمر هي حلقات كبيرة واسعة، في تلك الحالة سوف نحتمل أن يكون اصطدام جزيئات الغلاف الجوي بالحلقات الصغيرة أكبر، أما الحلقات الواسعة فستمررها بسهولة، هنا نقول إن جزيئات الغلاف الجوي تبعثر الضوء الأزرق بدرجة أكبر (لأن طول موجاته)، وتمرر الضوء الأحمر (لأن طول موجاته أكبر)، ولهذا نرى السماء زرقاء.
     
   
بالنسبة للخسوف فإن الوضع مشابه، حيث إن أشعة الشمس التي تمر خلال الغلاف الجوي أثناء الخسوف سوف تنحني بأثر اختلاف كثافته عن كثافة الفضاء الخارجي، ستحني الأرض الضوء بالضبط كما تفعل العدسة المحدبة مع الضوء العادي، لكن في أثناء هذا الانحناء ومرور أشعة الشمس بالغلاف الجوي، يتبعثر الجانب الأزرق من طيف الضوء المرئي في الغلاف الجوي، ويمر الجانب الأحمر فقط بسلام، ليصطدم بالقمر ويعطيه اللون الأحمر الدموي الرائع.
ما الذي سوف أراه؟ ومتى أخرج لمشاهدته؟
الإجابة المختصرة: اخرج للسماء بعد الغروب مباشرة، الآن دعنا نفصّل الأمر قليلا، سوف يبدأ الخسوف في تمام الساعة 05:15 مساء يوم الجمعة 27 يوليو/تموز، بتوقيت جرينتش، حيث سوف تدخل الشمس فيما نسميه بمنطقة شبه ظل الأرض (Penumbra)، ولفهم ما يعنيه مفهوم شبه الظل تخيّل أنك تقف بالضبط تحت عمود الإنارة في إحدى الليالي الشتوية، انظر للأسفل، سوف تلاحظ أن هناك ظلين لك، ظل داكن تماما يقع أسفلك بالضبط، وآخر فاتح قليلا يقع على جانبيه، وهذا هو بالضبط ما يحدث بالنسبة للأرض (أنت) والشمس (المصباح الضخم أعلى عمود النور).
  
قد لا تلاحظ دخول القمر في منطقة شبه الظل بسهولة، لأن إضاءته تنخفض بفارق يسير، ولن يكون ذلك ممتعا كما تتصور، لكن مع وصول الساعة 06:24 بتوقيت جرينتش سوف تبدأ إضاءة القمر في التآكل، وكأنه رغيف خبز يأخذ أحدهم منه قضمات كبيرة شيئا فشيئا، هذا التآكل هو ببساطة دخول القمر في ظل الأرض، يبدو الأمر وكأنك تمسك بقرص القمر وتدخل به في الظل شيئا فشيئا.
    
     
سوف يكون المشهد رائعا حينما ترى ظل الأرض واضحا على القمر، لكن بوصولنا إلى الساعة 7:30 مساء بتوقيت جرينتش سوف يكون لون القمر أحمر دمويا. القمر الآن، بالكامل، في ظل الأرض، وسوف يستمر هذا المشهد طوال ساعة و43 دقيقة، لهذا السبب هو الأطول في القرن الحادي والعشرين، هذا المشهد هو قمة الخسوف، وأكبر لحظة استمتاع ممكنة خلاله، تحديدا ما بين الساعة 07:30 دقيقة مساء يوم الجمعة، والساعة 9:13 مساء، بتوقيت جرينتش.
  
بعد ذلك يبدأ القمر في الخروج من ظل الأرض بالتدريج، يبدو الأمر وكأنه مشهد التآكل الأول لكنه يعود للخلف بطريقة معكوسة من الجهة الأخرى، سوف يخرج القمر بالكامل من الظل الخاص بالأرض في تمام الساعة 10:19 بعد منتصف الليل، في تلك اللحظة يكون القمر في منطقة شبه الظل، وسوف يحتاج ساعة إضافية للخروج تماما من شبه ظل الأرض، هذا يعني أن تلك الظاهرة الفلكية الممتعة سوف تستمر طوال أربع ساعات تقريبا، الآن تأمل معي هذا الفيديو الذي يقدم لك في دقيقتين فقط ما سوف تراه طوال تلك الساعات:

    
من جهة أخرى يمكن لك أن تلاحظ، ليلة الخسوف، نجما أحمر لامعا جدا ولافتا تماما للنظر، يقف أسفل القمر، هذا ليس نجما، ولكنه كوكب المريخ، حيث ستكون مصادفة غاية في الإمتاع والإبهار أن يقترن كوكب المريخ، في يوم تقابله، أي: أكثر أيّامه لمعانا طوال العام، مع القمر. ليس ذلك فقط، بل نعرف أن كوكب المريخ، في يوم 27 يوليو/تموز القادم، سيكون في أقرب نقطة له من الأرض في ظاهرة لا تحدث إلا كل 15 سنة تقريبا، في المرة السابقة حدثت سنة 2003 وتحدث العالم كله عن لمعان المريخ البديع، ما سنراه إذن يومها هو قمر أحمر مقترن بألمع حالات الكوكب الأحمر، ياللروعة!
     
     
إلى أين أذهب؟
كل دول الوطن العربي سوف ترى الجزء الدموي من الخسوف، لكن دول الخليج العربي، ومصر، والسودان، نزولا إلى بقية القارة الأفريقية، سيرونه كاملا من اللحظة الأولى. أما الدول بداية من ليبيا وصولا إلى المغرب فسوف تفوّت جزئيا الجانب الأول الخاص بتآكل القمر. لكن، في كل الأحوال، فإن كل المتعة ستكون في الساعتين الدمويتين.
    
    
ويمكن أن ترى الخسوف في كل مكان، وأي مكان، طالما أنه سيُرى في دولتك، في كثير من الأحيان تنظم الجمعيات الفلكية رحلات وحفلات رصد للظواهر الممتعة كالخسوف القمري، لكن هذا لن يكون ضروريا في حالة الخسوف، فكما نقول دائما كهواة فلك: أفضل مرصد ممكن هو سطح المنزل الخاص بك، خاصة حينما تتشارك تلك المتعة في التأمل مع من تحب، الزوجة، الأطفال، الأصدقاء والأحباء، متابعة ظواهر كتلك تحلو بالرفقة الطيبة والأحاديث اللطيفة.

أما بالنسبة للأدوات، فلا تحتاج سوى عينيك المجردتين، ومكان للاستلقاء بشكل مريح طوال عدة ساعات، وربما بعض العصائر أو الشاي المحبب للقلب من أجل الاستمتاع بالمشهد. إذا كنت تمتلك نظارة معظمة أو تلسكوبا فذلك أفضل بالطبع، لكنه ليس أساسيا، أما هواة التصوير الفلكي فحريٌّ بهم أن يبدأوا في التجهيز لتلك الظاهرة المهمة من الآن.

هل هناك ما يجب أن أحذر منه؟
لا، الخسوف الكلّي ظاهرة آمنة تماما، لا تضر بعينيك، ولا تضر بأطفالك، ولا تتسبب في حدوث اكتئاب، أو زلازل، أو براكين، أو حروب، أو خروج المذئوبين من أوكارهم، أو نهاية العالم، أو أي شيء من تلك الشائعات التي سوف تنتشر في الأيام المجاورة للخسوف، فقط جهز نفسك لليلة ممتعة، ولا تهتم لأكثر من ذلك، ويمكن -إن أحببت- أن تستخدمها كفرصة لدعم حب أطفالك لسماء الليل وعلم الفلك والقراءة عنه، وما أكثر الكتب التي تتحدث للأطفال عن ظواهر كتلك في المكتبات العامة، ويمكن أن تبحث في يوتيوب عن نشاطات عملية منزلية لشرح تلك الظاهرة لأطفالك.
  
الظواهر الفلكية كالخسوف والكسوف وزخّات الشهب، وغيرها، هي عرض سماوي مجاني، سينما تفتح أبوابها للبشر كل يوم، لكننا للأسف نغض أبصارنا عنها، أو ننساها بينما نعيش عالما مزدحما، محترّا، مسكونا بالتقارير الفصلية والشيكات الشهرية والخطوط الحمراء للتسليم والخلافات الشديدة بيننا في المواصلات العامة أو وسائل التواصل الاجتماعي حول لا شيء، ودونالد ترمب، والمسلسلات التركية، ومحمد صلاح، وبرامج التوك شو بأخبارها الكاذبة. اترك كل ذلك جانبا للحظة، سوف يكون من الممتع والملهم حقا أن تجمع العائلة أو الأصدقاء والأحبة لمتابعة خسوف القمر الدموي البديع في ليلة 27 يوليو/تموز، فوق سطح المنزل لا أكثر. متابعة الظواهر الفلكية تعطينا قدرا من الراحة، قدرا من البراح في صدورنا، فننسى العالم الخارجي لوهلة، ونستشعر اتصالا حقيقيا مع الكون الواسع. جرب ذلك، لن تخسر شيئا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اعلان