قبل غروب الشمس بقليل جلس الكهل فوق كرسيّه على شاطئ البحر فى استرخاء تداعب خياله نغمات موسيقية هادئة تنبعث من مكان بعيد ومن مكان أبعد يأتى صوت الراحل حليم كالنسيم وهو يغنى كلمات الراحل نزار : لو أنى أعرف خاتمتي ما كنت بدأت
داعبت جفون الكهل نسمات الهواء الناعمة نقلته إلى زمن جميل مضى حين كان يعتقد فى طفولته أن قرص الشمس يختفى تحت أمواج البحر فيحدث الليل
كان يجد سعادة غامرة عندما يغمض عينيه ويشعر بتأثير النسمات الملطف وهو يمسح عن عمره أحزانه ملأ رئتيه بهواء البحر المنعش بقدر ما اتسعتا له أخرجه بزفرة قوية وكأنه يجلو ما علا قلبه من هموم وما سكن رئتيه من آهات نظر الى الأفق فوجد مجموعة من طيور النورس تحوم فى الهواء يطير الواحد منها بشكل دائرى ثم ينقض كسهم على سطح الموج ليخرج بعد قليل وبين فكى منقاره إحدى الأسماك
أغمض عينيه وكأنه يريد الاحتفاظ بمشهد الطيور كصورة فوتوغرافية عاد بخياله مرة أخرى إلى طفولته حيث كان دائم التردد على المكان ذاته لمشاهدة طيور النورس وهى تصطاد غذاءها وعندما فتح عينيه لم يجد أمامه إلا طائراً وحيداً لا زال يبحث عن غذائه فأخذ يستمتع بمراقبته
لفت نظره أن الطائر كثير الصياح وأنه لا يستطيع إتمام دورة كاملة فى الهواء قبل أن ينقض على الأسماك ترك الجريدة جانباً ليتفرغ لمتابعة حركات الطائر الذى ناور كثيراً قبل الانقضاض لكنه فشل فى مسعاه
اشتدت سرعة الهواء قليلا فاعتقد الكهل أن الطائر سيكف عن محاولاته لكن الطائر سرعان ما اندفع نحو سطح الماء ليخرج مرة أخرى دون أن يحظى بمبتغاه تذكر وقتها قصة العجوز والبحر" لهيمنجواي" فلنر نهاية القصة همس لنفسه بعد أن أصر على البقاء حتى يرى الطائر وهو يصطاد إحدى الأسماك محاولة وراء أخرى وفى كل مرة يخرج الطائر من الماء بدون سمك
تمني الكهل أن يقدم للطائر إحدى الأسماك الملقاة على رمال الشاطئ لكنه تذكر أن طيور النورس لا تأكل الأسماك الميتة ساءل نفسه : ترى أأحيل الطائر إلى المعاش كما سوف يحدث له بعد أيام قليلة ؟ طرد الفكرة من رأسه فالطيور لا تحال الى المعاش
بينما الكهل غارق فى تساؤلاته كان الطائر يعيد محاولاته رغم أن جناحيه لم يعودا قادرين على مواجهة الهواء الذى زادت سرعته عن ذي قبل
استبعد الطائر القيام بحركاته الدائرية فى الهواء قبل أن ينقض على الأسماك أصبح يرتفع بقدر ما يستطيع ثم يلقى بجسده كيفما اتفق على سطح الماء لم يعد يخترق سطح الماء كسهم وإنما كحجر غير مهذب
تحولت زقزقة الطائر الى ما يشبه الصراخ وهو يحاول مرة تلو أخرى اصطياد سمكة وفجأة تمكن من الارتفاع عن سطح البحر بالقدر الكافى للانقضاض الدقيق دار فى الهواء أكثر من مرة انقض بزاوية حادة على سطح الموج كشهاب ثاقب أو كنيزك صغير
طال بقاء الطائر تحت سطح الماء اعتقد الكهل أنه قد خرج منه بالسرعة ذاتها التى اندفع بها بعد أن أمسك بإحدى الأسماك بحث عنه لكن الأفق كان خالياً تماماً من الطيور وعندما عاد بناظريه إلى سطح البحر مرة أخري وجد أمواجه تتلاعب بجثة طائر من فصيلة النورس.
أنا طائر النورس ! أكون أو لا أكون..ماذا عنك أيها الإنسان ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق