" الخطيئة بنت الصِغَر "
حين يخطيء الإنسان يتحول العالم إلى مسرحٍ من الملائكة في حالة من التباهى بالوداعة والنظافة والشرف .. لعل هذا في ظني شعور صاحب الخطأ إذ يواجَه غالباً بقسوةٍ وحدةٍ ربما حتى من الكثير من أصحاب الأخطاء والخطايا .. في مجتمعات تدين للإنسانية بجميل انتمائهم لها من المفترض أن يكون إلى جانب المواجهة بحزم للأخطاء والخطايا لا بد وأن يكون هناك باب الرحمة على الجهة الأخرى من المواجهة .. يقيناً أن لكل خطأ عقابه ولكل خطأ طريقة لإصلاحه مع وجود الإستثناء القائل بوجود أخطاء ليس لها من حل ولا إصلاح إلا التدمير التام والإعدام الكامل لا نتكلم عن هذا الآن فتلك مسألة قد يطول الكلام عنها لأنها ستمس حتمياً عقائد دينية كثيرة وقوانين بشرية أكثر ملتمسة أحكامهما في شأن الخطأ الإستثنائى .. الكلام هنا عن الأخطاء البسيطة التي يتم التهويل من حولها كأن يسرق الجائع ليأكل وأمثال ذلك .. سنترك كبار السن لنتحدث عن الطفل الذي يتعرض للعقاب الصادم والقوى على أخطاء عادية .. الأمرالذي ينشيء فرداً في النهاية لديه عقبات نفسية كثيرة ليتخطاها ليصبح في النهاية على حدٍ من السواء وأن تكون نفسه في حالة سوية مستقرة أو شبه مستقرة حتى .. ما يحدث أن لدينا أجيالاً بكاملها تعاني في قطرنا العربى من رصيد هائلٍ من الصدمات النفسية المتراكمة فوق بعضها البعض .. لعلنا لا نلحظ مثلاً خطورة التوبيخ البسيط ونحن نوجهه لطفل ولكننا نتعجب كثيراً من نفس الطفل بعدما يكبر وهو يعيد تصدير ما تم تصديره له لغيره وهو يوبخ ظلماً أو يبطش بضعيف أو يفتك ببرىء .. نقر أن هذا خطأ نشهده ولكننا لا نركز كثيراً أو قليلاً في خطأ نبدأه ونصنعه ونؤسس له .. إزدواجية تفرز لنا متاهة تبلع أعمار الجميع حتى العقلاء وذوى الخبرة التربوية والثقافة الإنسانية .. نصيبهم بحالة من التأخر إما في أوقاتهم أو تعطيل مقترحاتهم الإنمائية مشاريعاً مادية كانت أو أدبية .. الجميع على الشاطيء سيصيبه خطر الأمواج الثائرة ولا شك .. ونخص بالذكر غياب الجوهر الإبداعى من نفوس الكثيرين والتي قد تكون نشيطة في إبداع الخطأ كبديل طبيعى لحالة الجمود والخمول الجمالى في نفس الفرد ووعى المجتمع .. وفي الحقيقة كل فردٍ هو محاسبٌ أمام إنسانيته ابتداءً عن الكثير من الأخطاء التي يندهش لوجودها وكأنه ليس مشاركاً بسلبٍ أو بإيجابٍ في صناعتها .. نرجوا أن نكون على قدرٍ من الإنتباه لما تجنيه أيدينا بقدر تعجبنا من النظر في جناية غيرنا لتكون هذه خطوة أولية للإستفاقة الشاملة والكاملة لما تأخرنا عنه من تقدم سبقتنا إليه أممٌ شتى بتحسين التربية النفسية للفرد وتدعيم الحالة الفردية بالأصول الثقافية الإنسانية والدينية والعلمية .. ويبقى الإعتقاد في كثرة النُواح إعتقادٌ شائهٌ لا يمت لعالم العمل والإيجابية الخيرية في شىء ؛ ويبقى المقدم خيراً والعامل بالصواب هو صاحب النفس السوية وصاحب العرض الأذكى والأنفع .. ولو أن أحدنا نظر في نفسه ومِن حوله قليلاً وبدأ في البحث عن عمل نافع يقدمه لنفسه ولغيره لكانت هذه قفزة كبيرة نحو وضع حجر الأساس لبناء أمةٌ إنسانية عظيمة تساهم مع غيرها من الأمم في خدمة أرضٍ جعلها الخالق القدير جنةً لبني البشر .. ولو أننا عرفنا شر الكسل لتأكدنا أنه سبيل العجز وإن نظرة في طبيعة الحياة التي لا تكف عن التقدم تعصمنا كثيراً من مشاعر الإحباط والشعور القاتل بالموت البطىء لأمة مازالت في مؤخرة الأمم الإنسانية على كافة المستويات وإن مدخرات الأرض التي نقف عليها لا تساوى شيئاً ولا تعد ميزة ما دامت مدخرات النفوس والعقول في الحضيض .. هو فخر كاذبٌ ومخدرٌ لكثيرٍ من أمراض الجهل .. لتكن كلمات الخالق القدير سبيلاً وليكن ما بثه في الأرض من علوم ومعارف أدوات للنجاة من التقاعس عن الدور الإنسانى الذي هو فرض إنسانى بقدر ما هو حتمية طبيعية فضلاً عن أنه توجيه من الخالق القدير .. الدور الإنسانى الأول ألا ننجرف لشرعة الجهل الذي يحوى جميع الشرور .. الجهل بالعقائد .. الجهل بالعلوم والمعارف .. الجهل بالإنسانية .. الجهل بالأرض والأكوان .. ليكن الإنسان وإلا فمع الجهل لن يلحق حتى بركب الحيوان .
_____
محمد مرشد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق